f3a339b9-c0d2-4344-8b5a-a5b4e878f68e

سَحَبَ مُسَّدسًا وأمرنا بالنزول على رُكَبِنَا حتى “يُنفِّذ فينا حُكم الله”.. قانون أم هوموفوبيا؟

ضياء عبدالرحمن (اسم مُستعار)، شاب ليبي مثلي يبلغ من العمر سبعة وعشرين عامًا، وهو من قاطني مدينة طرابلس، التقيت به في إحدى الورشات التدريبية وشعرَ برغبةٍ في مشاركتي بإحدى الحوادث العديدة التي حدثت له لكونه شخصًا مثليًا في ليبيا.

“في الصيف الماضي، أتاني صديقي وسيم (اسم مُستعار) من مصراتة، أراد وسيم رؤية المدينة فاصطحبته لعدة معالم، ذهبنا إلى حي الأندلس ثم الميدان، قضينا وقتًا ممتعًا ولم يخطر ببالنا أنه وفي ذات اليوم سيحدُث ما لا تُحمد عُقباه.

في الليل، أراد وسيم زيارة البحر فذهبنا وجلسنا على شاطيء قريب. كنا مجموعة كبيرة، حوالي سبعة أو ثمانية أشخاص. شعرنا بالأمان لوجود بعض العائلات قُربنا فقضينا السهرة نحتسي الشاي والنارجيلة، تحدثنا طويلًا، “كنُّا نهَدِرْزُو لا بِينا لا علينا”.

اتَصل بي صديقي الآتي من مدينة أخرى، أضاع الطريق وهو آتٍ، وبعد أن أوضحت له الطريق مرة أخرى، استطاع الوصول إلى مكاننا بعد قليل من التَّأخير. راعَتْني تعابير وجهه، قال أنه أخذ منعطفًا خاطئًا قاده لمجموعة من المسلحين همّوا باستجوابه عن سبب قدومه، قال لهم كاذبًا أن جدَّهُ يَقْطُن بالقرب من هذا المكان ولا بُد أنه أضاع الطريق، انطَلى عليهم الأمر وتركوه يذهب. لم نُلْقِ بالًا للأمر كون هذه الأمور شائعة الحدوث في طرابلس، وعُدنا لأحاديثنا.

مرَّ بنا شخص غريب المظهر كانت حركاته مثيرة للشك، دِرْنا الهَرْكُونْ (أي تقمّصنا أدوارًا جندرية رجولية) وبعد وهلة بدا لنا أنه مجرد مارٍّ آخر ولا يُحتمل أن يَحمِل معه أيَّ أذى، استكملنا حديثنا وفجأة، “عِينك ما تشوف إلا الضَّيْ”. اقترب منَّا عشرةُ مسلَّحين وبادروا بالكلام:

– السلام عليكم

– (إلتَفتُّ) وعليكم السلام، تفضل؟

– أراكم في أسعدِ حال، أَهُوَ الخَمْر؟

– لا نشرب إلا ماءًا وشايًا ونارجيلة، أتودّون الإنضام؟

– (صاح فجأةً) لِيَقف الجميع!

أدركنا حينها أنهم يتبعون إحدى الجهات الأمنية أو المليشيات، قُمنا جميعًا ثم أمرونا بتسليم هواتفنا وبدأت الأحداث في التوالي.

تفقدونا فردًا فردًا، كان بصحبتنا أخوان مثليان، كانت تعابيرهم الجندرية أنثوية ظاهرة، وكان أحدهما يرتدي حجابًا على كتفيه ليَقِيَه من البرد. صاح به قائدهم: “هذا لِبْس رجَّالة؟! تتبادلوا؟! من ينيك في الثاني؟! التريس في الجبهة وانتو تِتْبُوفْتُو (أي تتصرفون كالنساء)؟!” وبكل ما تحمله هذه الأسئلة من هوموفوبيا مفرطة وكره عميق، حاولوا إذلالنا بشتى الطرق ولم يكترثوا لحرفٍ مما نقول.

سألني عن مكان سكني فأجبته، وهي منطقة تُعرف بكونها محافظة، اكفهرَّ وجهه قائلًا: “أنت كاذب! لا يعيش أمثالك هناك!” أخبرته باسماء أقاربي الذين يعيشون هناك وسألته إن كان على صِلَةٍ ما بهم، حتى ذكرت اسمًا، ولحُسن حظي تبيّن أنهما أصدقاء! حينها أعلمني بأنه سيتصل به، وإن لم يكن قريبي كما أزعم فإنه سيقتلني فورًا “أُمك دَاعْيَة عليك بِتْبَات في الثلاجة الليلة!”.

امسك هاتفه وهمَّ بالإتصال، شعرت بتوترٍ شديد كوني لم أرى قريبي ذاك منذ سنواتٍ، كما أن قرابتنا بعيدة.

“ألو.. أتعرِفُ فلانًا؟”

لم يتذكرني في باديء الأمر، حينها صار التوتر رُعبًا، وبعد بضع ثوانٍ من الاستذكار تمكنَّ من التعرُّف علي، انتابني شعور لم اختبره من قبل! شعور شبيه بالأمان.استكمل القائد حديثه في الهاتف:

“وجدناه جالسًا قبالة البحر بصحبة مجموعة من القِيزَاتْ (أي المثليين) وسنُنَفِّذ فيهم حُكم الله. (ردَّ قريبي) لا تفعل شيئَا! أنا قادم”.

مررنا بوقت عصيب قبل وصول قريبي، سألونا بتهكُّم “تبو الرَّدَعْ ولَّا النَّواصي؟” وهما مليشيتان سلفيتان لهما تاريخ من الإخفاء القسري والتعذيب للمثليين في طرابلس، لم استطع تحمَّل المزيد من تنمُّرهم وأجَبْتُه قائلًا:

“إن كان لديكم مقرٌّ فعلًا، خُذونا إليه! لا تحاول إذلالي هنا أمام العامَّة! حاكِمْني بالقانون! أَوَجدتَني أتعاطى مخدَّراتٍ أو خَمْرًا؟ أم وجدتني أُواقِعُ شخصًا في مكانٍ عام كهذا؟” ما كان منه إلّا أن يصفعني على وجهي بظاهر يده وسألني:” انت ريّس العَكْسَة؟ (أي المسؤؤول عن التجمُّع)” لم أصمُت، واجهته مجدّدًا:” هؤلاء اصدقائي أتَوْني من مدينة أخرى وأحسَنْتُ ضيافتهم، وإن أرادوا فعل شيءٍ يتنافى مع قيم مجتمعكم لفعلناه في استِراحة (منزلٍ ناءٍ) لا في مكان عام! ”

حينها، سَحَبَ مسَّدسًا عيار 9 ملِّي وأمرنا بالنزول على رُكَبِنَا ووضع أيدينا خلف رؤوسِنا حتى “يُنفِّذ فينا حُكم الله” كما يزعُم. انهالوا علينا بالضرب، فتظاهرتُ بفقدان وَعْيِي، تركونا حتى أتى قريبي. عندما وصل، كان غاضبًا وصاح بهم :” هادي ناس نظيفة على حالهم (أي لا يؤذون أحدًا)! مثليين أم لا، لا شأن لكم بهم!”. ولكونه صديقًا لقائد الجماعة، سمحوا لنا بالذهاب.

استمر مشهد الرُّعب ثلاث ساعات وانتهى على الساعة الثانية ليلًا، وقبل أن ينتهي كل ذلك، فكَّرتُ بجدِّيةٍ في الإنتحار، لم أُرِد أن يَسمع أهلي عن ما حدث، لا يعلم أهلي بكوني مثليًا، خِفْتُ الفضيحة، تمنَّيْتُ لو أنهم يحتجزونني في زنزانة لا تَطْلُع عليها الشمس في مقابل ألّا يُخبروا والِدَيْ. أعلم يقينًا أنّي لست مستعدًا الآن، ولا هم أيضًا مُستعدُّون لتقبُّل الأمر”.

اخر التحدثيات

بيان مشترك يدين العدوان على غزة، صادر عن المنظمات الكويرية وأفراد مجتمع الميم عين في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا 

تدين وتستنكر المنظمات والحركات وأفراد مجتمع الميم -عين من منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا ، الموقعة على هذا البيان الإبادة الجماعية على أهل غزة من

مشاهدة المزيد »